تداولت بعض المنابر الإعلامية مؤخرا قضايا ذات صلة بالحركة الحقوقية المغربية و تحدثت بإسهاب عن المهام المطروحة عليها راهنا و آفاق العمل مستقبلا. و حيث أن أسر شهداء و مفقودي الصحراء المغربية تتابع باهتمام بالغ دعوة بعض التنظيمات الحقوقية إلى تعبئة عاجلة لعقد مناظرة وطنية ثانية من أجل تقييم حصيلة تجربة هيئة الإنصاف و المصالحة ، فإنها (الأسر) ترى أنه من السابق لأوانه الحديث عن مناظرة ثانية للتقييم. بل عين العقل و ما تقتضيه المرحلة هو مناظرة استدراكية تخرج بتوصيات لفائدة ضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذين لم تشملهم التوصيات السابقة، و منها أسر ضحايا حرب الصحراء.
فتوصيات هيئة الإنصاف و المصالحة، و إن كانت خطوة جريئة و مهمة من أجل الطي النهائي للإنتهاكات ذات صلة بحقوق الإنسان، تبقى ناقصة و طبعتها الإنتقائية في التعامل مع الملفات.
و على سبيل الذكر لا الحصر، و رغم كل ما عانته أسر شهداء و مفقودي حرب الصحراء و ما لحقها من أضرار تصنف ضمن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المتعارف عليها كونيا، و سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو الإقتصادي على مدى أربعة عقود، فإن التوصيات السالفة الذكر لم تتضمن أي تطرق للملفات الحقوقية لهاته الفئة.
و اعتبارا لما سلف، فإن توصيات "المناظرة الإستدراكية" المفترضة، و كخطوة من أجل تدارك ما يمكن تداركه، يجب ان تتضمن جبرا للضرر الفردي للأسر المعنية، بحيث يكون هدفها تمكين أرامل الشهداء و زيجات المفقودين و أيتام الحرب مكفولي الأمة و كل ذوي حقوق الضحايا من كافة مستحقاتهم و حقوقهم، و رد الإعتبار لهم بإنصافهم و تعويضهم عن استشهاد و فقدان ذويهم، ثم الإعتذار لهم، علاوة على الكشف عن مصير كل المفقودين.
و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن "الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مفقودي واسرى الصحراء المغربية"، الممثل الشرعي لهاته الشريحة، و منذ تأسيسها في نونبر 1999، و هي تطرق أبواب العديد من الهيئات الحقوقية بهدف تبني ملفها الحقوقي و الدفع به لمجاورة باقي ملفات الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لدى هيئة الإنصاف. غير أن المسؤولين عن أغلب تلك التنظيمات رفضوا ذلك التبني و رفضوا حتى الخوض في مناقشة الملف بمبرر عدم رغبتهم في اصطدام جديد مع النظام!! و حسب زعمهم دائما، فإن هذا الأخير (النظام) هو الكفيل بإيجاد حلول للملف الحقوقي ل"أبنائه الشرعيين"!!
هكذا و بمواقفهم تلك، اتضحت جليا الأنانية في انتقاء و معالجة الملفات الحقوقية لأبناء الوطن الواحد، و ظهر للعيان زيف المساواة و غيرها من الأركان الأساسية للديموقراطية و حقوق الإنسان في شموليتها و كونيتها و التي تهلل لها نفس الهيئات! و كأن هيئة الإنصاف و المصالحة أنشئت من أجل تسوية الملفات الحقوقية لمعارضي النظام دون سواهم!