أخر الأخبار

التسميات

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

" ذاكرة تعج بالصخب / ذاكرة محارب "


" ذاكرة تعج بالصخب / ذاكرة محارب "

كانت الشاحنة العسكرية تسير بسرعة كبيرة لا تتناسب مع طبيعة الطريق المحفرة المهترئة . الاثات والاشياء المكدسة على عجل تنزلق من أماكنها وتتدحرج كلما ارتطمت عجلات الشاحنة بصخرة أو سقطت في حفرة . أم احمد لا تدري إن كانت الوجهة " كلميم " كما أخبروها أو ربما يحملونها وابناءها إلى مكان آخر ، قشلة أو مخيم أو ....لم تعد تثق في أي أحد ، هي التي قضت أزيد من ستة شهور على وعود كاذبة بتسوية وضعيتها الجديدة . راتب زوجها الشهيد توقف ومنع عنها ومنعت منه ، وليس لديها مذخرات ، وبها من العزة والأنفة ما يمنعها من طلب مساعدة العائلة البعيدة ، هي زوجة الشهيد وأم أبناء الشهيد ، أكبرهم في السنة العاشرة من عمره . باعت دمالجها وأقراطها ، هدية زواجها وكانت من أعز أشياءها التي لم يدر في مخيلتها إطلاقا انها ستجد نفسها مضطرة لعرضها للبيع . إيه الدنيا الغادرة والزمن الغادر . تنهدت من أعماق قلب مكلوم ينزف . أثارت انتباه الشخص المرافق لها في رحلة الخوف والعبث .
-البركة في الأولاد يا لالة خديجة، فيهم العوض إنشاءالله ، سيكونون ذرية صالحة. الشهيد  محمد كان رجلا شهما ، نبيلا وطيبا ،صاحب مروءة، محنة الوضعية الإدارية لن تدوم طويلا ، هكذا هي إدارتنا ، مساطر طويلة معقدة .
لم تجبه ، ليس اقوى من الصمت جوابا في لحظات الغضب وفي لحظات الفراغ والضياع . كان الأطفال يتأوهون في كل منعرج أو ارتطام عجلات الناقلة بالأرض ، وهي تمرر يديها بالتناوب على الأجساد النحيلة التي أنهكها التعب والجوع وقعود السفر الطويل في ظروف لا تليق بآدميين . هي ظروف الحرب ، لا بأس ، ولكن لماذا يا ألله...........وبكت بحرقة ، في صمت ، حتى إنه لو كان من يصيخ السمع جيدا لسمع صوت سقوط الدموع على الوجنتين وعلى الارض .
بعد  مخاض طويل عسير اطلت الشاحنة على "كلميم " ، بلدة غارقة في النوم والظلام  . إقترب سي علي من الجهة حيث يوجد السائق ، طلب منه هذا الأخير أن يسأل أم أحمد أن تدلهم على منزل أخيها . أين لها أن تتبينه في هذه الليلة الظلماء وبعد سنوات من الغياب ؟ طلبت منهم أن يتوجهوا إلى المسجد في وسط البلدة ، من هناك ربما تكون قادرة على تحديد وجهتها والتعرف على البيت . كان سائق الشاحنة ومرافقاه في عجلة من أمرهم وكأنهم مكلفون بإنهاء المهمة بنظافة و سرية تامتين  دون إثارة انتباه وفي عز الليل .
بعد مشاورات وبدون التاكد الصريح من العنوان الصحيح قررت أم أحمد أن تحط الرحال فيما يشبه شارعا متسعا ، به بعض محلات تجارية مغلقة ، يدل على طبيعة نشاطها بعض علامات إشهار لمواد التصبين والشاي  وأقفاص حديدية فارغة .
لن يكون بيت أخي بعيدا من هنا ، ولا يصح أن أوقظهم في هذا الليل البهيم وهم لا يعلمون بمجيئي .
تسابق الرجال الثلاثة على إنزال الأثاث بسرعة ، إذ ما هي إلا لحظات حتى كانوا يقفون أمام أم أحمد يطلبون " المسامحة " ويدعون لها بالتوفيق في حياتها الجديدة  ويوصونها  بالصبر ، "كلشي على الصبر " ا لالة خديجة ..................................
" ذاكرة تعج بالصخب / ذاكرة محارب "

المصطفى الفارح 
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
Item Reviewed: " ذاكرة تعج بالصخب / ذاكرة محارب " Description: Rating: 5 Reviewed By: khalid jazemi
Scroll to Top
Scroll to Top