قصيدة: ألا يا رياح الشوق
عندما تحل ذكرى استرجاع وادي الذهب تحيي فينا ألما يفتح جروح قلوبنا ،وأملا يأخذنا للقاء شهدائنا .فقصيدتي هذه هي إهداء لكل روح قضت مستشهدة في سبيل ربها ووطنها وملكها،إلى شهداء صحرائنا الحبيبة
*******
ألا يا رياح الشوق احملي
سلامًا للشّهيد في جنات خلده
وقد أعلم رغد عيشه غير أني
لا يزيدني ذاك والفراقُ غير حبه.
وكأن حياتي باقترَانه مرهونة
لا تسْتصيغ لها طعما مع بُعْدِه.
ما أصعب العيش مع ثقل
أنت حامله ولاتحيَى طيِّبا إلا بحبه.
استوطن قلبا وما نوى هجرانه
حتى سرَى مجرى الدم في شُريانه.
ما أصعب أن تحمل ورماً أقْبَرك
لحد اليأس ولو بعد استئصاله.
تتعايش معه في إصرارمتعمَّدٍ
على البقاء رغم علمك بنصره.
تحمله وكلك له ألفة ومودة
والألفة تولِّد لديك إدمان عشقه.
كلما أطلَّت الحرب بذكراها
حَضَنَنا الألم بجزيل عطائه.
ففتحت جُرْحًا في صدورنا منْدمِلاً
وأبطلت للشّفاء كل مساعيه .
فما استطعْت مخاطبة صحْبَيَّ
قفا نبْك من ذكرى حبيب بقبره.
ولا تمكّنْتُ من زرع أصابع مريم
لتزهر ربيعا على ترب لحده.
والشَّاهد الذي يؤرّخ لموته
يؤرِّقني إذ هو في غير موضعه.
يحمل هُوِيَّة شهيد ما تسلَّمها
فأَوْرثتنا ظلما استصَغناه من بعده.
كلما نظرت إلى مقروءه،أَلَمَّ
بي اليتمُ،واستوحشت بفقده.
**********
ألا يا رياح الشوق أبلغي شهيدنا
أنّي أشفقت من محاولة نسيانه.
أخبريه عن أم ٍّ كُلِمَت فيه وأسلمت
لربها رغبة في لقائه وضمِّه.
كمدا على مرض على فقدان
أملٍ في تشريفنا ثانية بزيارته.
أخبريه عن ذات الثلاثين التي
ترمّلت بخمسة من أفْنان غصنه.
أخبريه كيف قوَّمت أعوادهم
وسقَتهم حبا لجني ثمار شجرته. أخبريه كيف احتضنتهم وأقْبرت
شبابها وجمال زهرتها وفاء لحبه.
فإذا بها على سندان الزمان
تُفْلت تارةً وتَنْصاع مراتٍ لمِطْرقته.
عضَّت بالنَّوَاجِد على أحلامٍ
سارت لها رُفقةً وسَنَدا بعْدغِيَابه.
أخبريه يا رياح الفخر عن أيتامه
كيف لم يخذلوه واعتدُّوا باسمه.
قد كبروا وكَلُّوا وكلٌّ في صدره
يحمل ألما، واليتم غصة في حلقه.
لم ينتظر مسحا على الرأس بل
مضى مستسلما يحفرالصَّلْد بظفره.
لم يرتقب قطر السماء ذهبا ولا
فضة بل اعتمد السعي وهَدْيَ ربِّه.
ألا يا رياح الشوق بلِّغي شهيدنا
سُؤْلَى شوقٍ وحنينٍ وفخرِأحفاده.
كم رأوه في أبطال أفلامهم
وانْدمجوا في الأبعاد ارتماء في حُضْنِه.
لو علموا يقينا بالاجتماع به
لسَكَنَت أشواق قلوبهم وهدأت بلقائه
وبما أن مقامه بعيد المنال منهم
فقد تعلَّقوا بحبال رحمة ربِّنا وربِّه.
فكم غنيِّ الفِعَال أفلس بمزيد يقينه
وكم مفلسٍ أُسْكِنَ مرحوماً أعلى جِنانه.
عفوا ما أردت اعتراضا على
أقدارٍ نُسجَت بإحكامٍ في حقنا وحقّه.
بل كلّي امتثالٌ لقضاءٍ عدلٍ
صدر في عزيزٍ من أضعف خلقه.
إنما فُجْأة الفراق أحرقت قلبا
وعصفت في البراري بسَاخن رمَاده.
**********
ألا يا رياح العِزّ أخبري شهداءنا
أنّ قضيّتهم لا تزال في المحكمة
تعددت القضاة واستصْعبوا تكالُباً
أخذ القرار والحسم في المسألة
لكنّ إيماننا بها يصيح فينا
الصحراء في مغربها تَحْيَى الملحمة
تحضنها أرواح أبِيّة عاشقة
تستسهل الفداء وتريدها معْلَمَة
أخبريه كيف ازَّيَّنت ولاحت
في أبهى الحُللِ غير مسْتَئْذِنة .
كلّما ارتوت دماً اهتزّت ورَبَتْ
والصحراء القفْرُغدت عَدْناً مُثْمِرة.
مع تكبيرة كلِّ شهيدٍ انْبعَثَت
في أرجائها مُنْشأةٌ بجوارها مئذنة.
فهلَّا ارتحْتَ أيّها الشّهيد وعِمْت
مَلِكاً يتَربَّع عرش آل الميمنة.
**********
ألا يا رياح اليتم عنه لا تسألينا
فعقولنا تدرك حقّاً يقين موته .
تنهال بوابل الرّحمات على روحه
مسْتَسلمة للقضَاء فرَحاً باستشهاده.
لا تسألينا عن تأثير الأبُوَّة فينا
تعيش دوَاخِلنا وماصدّقت بفقده .
ترفرف جاهدة لتُنْعِشَنا ولا تسأم
وتأبى النّزْع سَكَناً لضمان عيشه .
لا تسألينا عن حبه وما فعله بنا
ففي القلب يحيي مع كل نبضه.
مع كل ضخَّةٍ يروي أقاحل
تُزْهر حبّاً يُنْعش أمل إحيائه .
لا تسألينا عن بطلٍ غدت سِيرتُه
تزْفِرُها النفسُ أملاً في إنقاذه .
من ظلم ذوي القربى الذي
اشْتدَّ مضادّةً ،واليأسِ من إنصافه .
تمتطي جواد أحاديثها فَتسِيح
وتَجُوبُ الفَيافي طمَعًا في لقائه .
ألا يا رياح الشوق احملي
سَلاما للشهيد في جنات خلده.
بقلمي: يمينة لمزاوك 14غشت2020