بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي. الحلقة 15 من سلسلة في زمن الجوع والحرب. (أسر شهداء حرب الصحراء المغربية )
استيقظت من النوم بعد أن لاعبتني خيوط الشمس المتسللة من ثقب النافذة، لم تكن أمي بالمنزل فغالبا ما ستكون قد ذهبت عند إحدى تلك النساء لتقرأ لها حظها من الحياة بتلك الأوراق "الكارطة" التي يلهو بها الرجال على كراسي البطالة في المقاهي الشعبية....
وجدت مائدة الفطور جاهزة "الرغيف" الذي أحبه من يد أختي التي لا أعلم أين هيا الآن فلا أثر لها في المنزل!!
أخي الصغير ابراهيم ما يزال نائما، وضعت قبلة على جبينه و تركت له درهمان فوق وسادته الصغيرة ، تذكرت الكرة التي وعدته بها، ارتديت ثيابي بسرعة ثم هممت بالخروج.
البقال الذي يبيع الكرات بحينا لم يفتح دكانه بعد، ارتأيت أن أذهب إلى بيت صديقي ياسين لنتحدث في بعض التفاصيل و نحدد موعد سفرنا، يسلم علي جارنا عبد القادر، أكتفي بهز رأسي تحية له، فلا رغبة لي في خلق حديث طويل مع أحدهم ينتهي بالتذمر من الدولة و السياسيين و الحكومة ومن كل الذين التفتوا لنا ، و وعدونا بتسوية أمورنا ثم مضو إلى جنتهم وتركونا نتأمل في الجحيم....
كنت شاردا في الطريق حينما تسمر نظري فجأة!! كنت أتساءل هل هي أختي أم يخيل لي، لم أنتظر الجواب لأنها كانت هي، أختي برفقة شاب لم ألمحه سابقا، يمسك يدها في زقاق فارغ من كل شيء إلا اليأس، لا بد وأن عقلها قد طار كي تجازف لهذا الحد!
لم أتماسك نفسي، ركضت بسرعة ولم أشعر بيدي التي راحت تلكمه حتى اجتمعت من حولنا حشودا من الناس تحاول التفريق بيننا، جرني أحدهم من كتفي لقد كان ياسين، ولولاه لما تركت ذلك الشاب على قيد الحياة...
- يا صاحبي جمعتي عليك الناس
- معرفت منين خرجوا شنو بغيتني ندير نشوف ختي ونسكت...
- يمكن سيد قاصد الدار ولا غي وقف سلم عليها
- كان شاد فيديها و لقاصد الدار مكيتخباش فالزناقي خويا ياسين، يمكن هو عارف معندهاش باها وبغا يضحك عليها، باها الله يرحمو مات فالحرب ولكن عندها خوها ليخاف عليها، المهم هيا حتى لدار ونتفاهم معاها....
- يلاه زيد معايا...زيد
- فين!
- القهوة
كنت أحس بحرقة موجعة في قلبي، منظر أختي مع ذلك الحيوان لم يفارق عيناي، ربما الناس لن يقولو أخت فلان، لكنهم حتما سيقولون إبنة فلان، و أنا لن أسمح بتشويه إسم أبي و سمعة العائلة، أبي مات رجلا دافع عن حوزة وطنه فما بالك بشرفه! لذلك لن أقبل بأن تتداول سيرته بين الألسن التي لا ترحم، يجب أن يكون مرتاحا في قبره لأنه ترك رجلا وراءه، و كما حميت عائلتي وأنا صغير، سأحمي أختي وأدافع عن شرفها لأنها مسؤوليتي وهي على عاتقي حتى الممات.
يكفي قسوة الفقر ونكران الوطن، لن أستطيع تحمل كلام الناس أيضا فوق كل هذا الهم...
حلقة كل خميس
من توقيع ليلى اشملال