بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي ،الحلقة 25 من سلسلة في زمن الحرب والجوع أسر شهداء حرب الصحراء المغربي
تعالى صوت الآذان معلنا دخول وقت صلاة العصر، توضأت ثم توجهت للصلاة، نهضت أمي لتحضير القهوة، لم ترني و أنا أصلي في الغرفة المجاورة ظنت أنني ذهبت للمسجد، لحقتها أختي إلى المطبخ، بطنها منتفخ، لم أنتبه له حينما سلمت علي، لأنها كانت ترتدي ثوبا غليضا للتدفئة، خرجت مسرعا من الغرفة رأتني فأوقعت ما كانت تحمله في يدها، أمي أيضا تسمر وجهها و اصفر لونه فجأة
- مالكم مخلوعين بحال إلا شفتو شي جني؟
- والو غير يصحابليا أولدي مشيتي لجامع
- مال كرشك منفوخة أختي؟
- والو غير المصران ضارني
- راه منفوخة بزاف؟
كررت السؤال، لكنها لم تجب بل صمتت و دموع عيناها على وشك النزول، في تلك الأثناء جاء أخي ابراهيم و وضع أذنه على بطن أختي و هو يقول " غادي يتزاد مومو صغير ياربي يكون ولد باش يلعب معايا"، حينها فهمت كل شيء و أن حمل أختي غير الشرعي هو السر الذي كانوا يحاولون اخفاءه عني، بقوة الصدمة أمسكتها من شعرها و أنا أشتمها و أسبها لأنها تسببت في ضياع شرف العائلة و تدنيس صمعتنا، جاءت أمي بسرعة و هي تحاول إنقاذها من بين يدي، فدفعتها بعيدا عني كي لا أضربها رأفة بالروح التي تتخبط في أحشاءها، ذهبت تجري نحو الغرفة وهي تبكي، ثم اختبأت وأغلقت الباب، جلست لمدة و أنا صامت قمت بتكسير الصينية التي كانت على المائدة، حاولت أمي تهدئتي فلمتها و حملتها مسؤولية ما وقع.
- فين كنتي حتا دارت بنتك هاد الموصيبة؟
- راه كانت كتخرج عند لبنات و مكنتش كنظن بنتي غادير هاد لفعلة
- كنتي تردي ليها لبال، تسوليها فين مشات و مع من؟
- أنا أولدي كنت كنشوفها غادا مع لبنات مكنشك فوالو
- نتي مكنتيش مسوقة نهار و مطال ونتي كضربي لكارطة لعيالات، نهار و مطال و نتي ديك الشوافة لمقابلة ناس عوض دارها
- الله يسمح ليك أولدي على هاد الهدرة، هذا هو جزائي حيث خدمت باش نكبركم
- خوتي فخبارهم؟
- فخبارهم حتا هما كانو غيقتلوها ولكن صافي لعطى الله عطاه دبا معدنا منديرو
- حتا شمايت ديال خوتها مردوش ليها لبال، انا فاش مشيت يصحابلي خليت رجال ورايا ولكن خسارة حتا واحد فيكم ممسوق لاخر
- أولدي مكتاب الله هذا، آش عدنا منديرو
- كون كانت بنتك مربية مديرش هاد لفعايل، دابا شغادي نقولو للناس ، مغيبقاش عندي وجه باش نشوف فيهوم
- متهزش الهم أولدي دبا نشوف شي حل لهاد المصيبة؟
- شكون باه؟
- معرفتوش، نعتاتو غي لخوتك وقلبو عليه ملقاوهش، ضحك عليها وهرب
- ما يكون غي داك شماتة لشفتها معاه، انا غادي لقاه
خرجت من المنزل و النار تحرقني من الداخل، تمنيت لو أنني لم أرجع أبدا، تمنيت لو أن المرحوم أبي الذي استشهد في الحرب لم يمت، لو أنه معنا، لو أنه ظل بجوار ابنته يحميها من الذئاب البشرية ويحرسها من الوقوع في الحرام، لو كان حيا ما كان ليقع أي شيء من هذا، توجهت للقهوة، اشتريت سيجارة ثم دخنت الواحدة تلو الأخرى، كانت هذه أول مرة أمسك فيها السجائر بعد تلك الحادثة التي وقعت لي مع والدي رحمه الله في طفولتي.
بعض الرفاق يسلمون علي و يرحبون بعودتي، أجيب بكلمات محدودة ، أبادلهم التحية بحركة صغيرة من رأسي فقط، كنت أحتاج رفيقي ياسين لأخبره بمصيبتي ليساعدني ويخفف عني وقعها، لكن في غيابه و بعده لم أقف مكتوف اليدين بل ذهبت للبحث عن الكلب الذي سرق شرف أختي و اختفى، توجهت لنفس الحي الذي سبق و أن رأيتهما فيه معا، سألت بعض المارة عنه و أنا أصف لهم ملامحه بدقة، البعض منهم عرفوه و قالوا أنه قد سافر، والبعض الآخر لم يتعرفوا عليه من خلال الملامح التي أصفها لهم، بعد نصف ساعة من الأسئلة والبحث لم أتمكن من ايجاد الفتى الذي استغل براءة أختي الساذجة، فرجعت للقهوة وللدخان مرة تانية.
من توقيع
ليلى اشملال