بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي ،الحلقة 31 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية 1975 ،1991)
رجعت باكرا للمنزل كي تتسنى لي الفرصة للجلوس مع صديقي ياسين، لكنني صدمت بأنه رحل و أخد معه أختي، غادر دون أن يسلم علي أو يودعني، لم أتوقع منه ذلك أبدا، ياسين تغير كثيرا بعد زواجه وقد أحسست بهذا فعلا، كما أن هناك شيئا غريبا كان مخفيا في ملامح وجهه التي باتت حزينة.
قالت والدتي أن هناك مشاكل بينه و بين أسرته سببها الرضيع الصغير، فعائلته التي أخفينا عنها خبر الحمل الغير الشرعي لأختي اكتشفت حقيقة كل شيء، خاصة بعد المدة القصيرة التي تلت العرس والتي أنجبت فيها شقيقتي إبنها، قاموا بلومه و حينما انتشر الخبر شك البعض في رجولته للأسف، فهمت لاحقا أنه حاول إقناعهم بأن الطفل من صلبه لكنهم لم يقتنعوا بكلامه أبدا و أدركوا أنه تزوج بأختي تضحية منه فقط و شفقة، لم أتوقع أن تصل الأمور إلى هنا، ظننت أنني تخلصت من عبء ذلك الحمل بمجرد أن زوجتها صديقي الذي كان يعلم الحقيقة جيدا وقرر الزواج بها عن طيب خاطر دون إجباره على فعل ذلك بذريعة إنقاذي من الفضيحة أو التستر على أختي.
وسط كل هذه الأحداث المفاجئة أدركت أن موضوع الحمل الغير شرعي لم ينتهي و أن تدنيس شرف العائلة لن يمر هكذا مرور الكرام و إنما سينتهي بحدث مأساوي أجهل عواقبه على أسرتنا الصغيرة.
لم يكتمل أسبوع على زيارة أختي و زوجها ياسين لنا، حينما جاءت أمه برفقة أخته المطلقة لزيارتنا أو هكذا توقعت حينما رأيتهم، رحبنا بهم وقدمنا لهم الشاي و بعض المأكولات لكن سرعان ما تفاجئنا بأسلوب حديثهم الجارح معنا، و نظراتهم التي تستحقرنا، حاولت أن أظل هادئا لتلطيف الأجواء بين والدتي و والدة ياسين، لكن سرعان ما انفعلت في وجه أخته التي نادتني قائلة " نتا شماتة ماشي راجل، ختك جابت كرش من زنقة ونتا ساكت و ضحكتي على خويا باش يتزوج بها "، قمت برد الشتيمة لها كونها مطلقة و المجتمع أيضا يرى المطلقة مثل نظرته للأم العازبة أو لفتاة الليل، فلا فرق بينهما لاسيما أن المطلقة هي امرأة فقدت في زواج فاشل ما قد تخاف أي فتاة عذراء من فقدانه، وبهذا سيتسنى لها ممارسة علاقات غير شرعية دون خوف أو ارتباك، لم تتقبل إهانتي الجارحة لها فازداد الصراخ وتعالت الأصوات حدة، جاء بعض الجيران لتهدئة الوضع، لكن الأم وابنتها لم يرحلا عن حيينا حتى قاما بفضح السر أمام الجميع و قد تفوها بكلمات و جمل يفهم من سياقها أننا عائلة بدون شرف، احترمت الأم التي كانت في عمر والدتي لكنني كنت سأضرب الإبنة لولا تدخل بعض الرجال والنساء بيننا لتهدئة الوضع مجددا.
ساد صمت طويل وتفرق الناس الذين كانوا مجتمعين حولنا بعضهم للمساعدة والبعض الآخر للمشاهدة فقط، مثل هذه المشاجرات الشعبية دائما ما تلقى أذان وأعين تستقطبها بمتعة كبيرة و كأنها حلقة من الحلقات التي تعرض في ساحة جامع الفنا بمراكش، رفعت رأسي للحظة تصادفت عيني مع البقال المجاور لنا وهو يأكلني بعينيه، هو لم يتفوه بكلمة لكن نظراته القاسية قالت كل شيء نيابة عنه، احتفظت بما تبقى لي من قوة ودخلت للمنزل، كانت والدتي تبكي لم أرغب في مواساتها لأنني لطالما رأيتها سببا مساهما في الفضيحة التي لاحقتنا، غيابها عن المنزل و انشغالها بأعمال "تشوافيت" و باستقبال النساء المترددات عليها جعلها تنسى دورها كأم في العناية بأبنائها و خاصة ابنتها الوحيدة التي لم تجد مراقبا أو حسيبا لها ففعلت فعلتها الشنيعة وها نحن لازلنا نحصد في تبعاتها لحد الساعة.
مرت يومان دون أن أخرج من المنزل، كنت خائفا من المواجهة مع الجيران و أبناء الحي، أردت الهروب من هذا الواقع المر فلجأت للإختباء في البيت كطفل صغير بلله المطر فظل يرتجف لساعات ثم عزف عن الخروج بعدها مجددا خوفا من البرد و خوفا من المطر.....
تمر الأيام أمامي ولازلت على حالتي، النقود التي معي تنفد لذا كان لابد لي من الخروج للعمل لم يكن لي أي حل آخر، لقد انتهى المال و كان لابد أن أخرج من المنزل و أن أكتفي من الهروب، وهذا ما حدث فعلا، كنت أغادر البيت باكرا قبل أن يستيقظ من في الحي و كنت أتعمد العودة متأخرا أيضا حتى أتجنب مصادفة أي شخص أعرفه، رغم كل الصعوبات التي مررت بها منذ أن استشهد أبي في حرب الصحراء و تركني طفلا صغيرا أصارع قسوة الحياة، رغم كل تلك الأزمات و المصاعب إلا أنني لست الشخص الذي يقمنوى على مواجهة ألسن الناس و نظراتهم الحقيرة خاصة في موضوع يتعلق بشرف العائلة و صمعتها التي أدرك جيدا أنها ستكون كالعلكة في فم المتربصين بنا جيرانا أو أقارب، أحبابا كانوا أم أعداء.
حلقة كل خميس
من توقيع ليلى اشملال