بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا،سنتحدث عن الماضي الحلقة 6 من سلسلة في زمن الحرب والجوع(اسر شهداء حرب الصحراء المغربية)
سألوني كثيرا كيف مات أبي! لم يمت أبي في أي انتفاضة ضد الحكومة المغربية أو ضد قرارتها أنذاك، بل مات فداءا للوطن. توفي أبي قبل أربع سنوات في حرب الصحراء، الحرب المسلحة التي دارت رحاها بين الجيش المغربي و الجبهة الشعبية "البوليساريو"، استشهد في هذه الحرب منذ اندلاعها سنة 1976 آلاف الشهداء من العسكر والقوات المساعدة والدرك ومدنيين أيضا، لقد حمل أبي السلاح لينعم مسؤولي الوطن بالأمن و الرخاء، مات أبي و هو يدافع عن حوزة الوطن و مقدساته، لقد كان ضحية من ضحايا حرب الصحراء الذي لا يمكن حصرهم فقط في الشهداء و المفقودين والأسرى، بل أيضا في ذوي حقوقهم وهم الأب والأم والزوجة و الأبناء، و هؤولاء هم الأشد تأثرا بحادثة الاستشهاد والفقد والأسر.
لازلت أتذكر بمرارة صراخ أمي حينما علمت بوفاة أبي، مازلت أتذكر كيف روى لنا صديقه تفاصيل موته "لقد أصيب برصاصة في الرأس، تفجر دماغه" هذه الجملة ظلت دائما في ذاكرتي، وكانت تطفو في الأفق كلما فكرت في أبي أو كلما سمعت أحد يحكي عنه. كنت صغيرا لم أستوعب ما يحدث من حولي لكنني بكيت وبحرقة، لأن شيئا ما بداخلي كان يعلم أنه فقد شيئا ثمينا لا يمكن تعويضه أبدا، ومنذ ذلك اليوم و أنا الأب و الأخ والمعيل لإخوتي. فالمعاش الهزيل لأرامل الشهداء لم يكن يتجاوز في مجمله الحد الأدنى للأجور، وهذا ما جعل الكثير من الأرامل مضطرات للعمل في الضيعات الفلاحية، والمعامل بالأحياء الصناعية، أو خادمات في البيوت، أما عن أمي فلم تستطع إمتهان أي شيء من ذلك، لكي لا تترك إخوتي الصغار في البيت لوحدهم دون شخص بالغ يهتم بهم، فجعلت من نفسها "شوافة"، لالة السعد كما يقولون التي ترجع للزوجات أزواجهم النائمين في أحضان واحدة أخرى، مقابل بضع دراهم وبعض المواد الغدائية التي كن يأتين محملين بها لمنحها لأمي كونها أرملة من جهة، ولكي تهتم بطلباتهم أكثر من جهة أخرى و تعطيهم حق الأسبقية في الدخول للغرفة التي تستقبل فيها النساء، دون أن ينتظرن دورهن خارجا مع الأخريات.
#يتبع
حلقة كل خميس
من توقيع ليلى اشملال