ابن الشهيد والاجازة في المنطق
حصل على اجازة في المنطق، لكن لم يفهم كيف أن منطق هامته انحصر في سوق العطالة، بعد أن فرخته الجامعة بنمنمتها الإنسية المعتادة ، كما لم يعرف أصلا لماذا درس فلسفة المساواة والعدل والحق والشغل والفكر والمادة وادبيات الثورة ، وغيرها من المواضيع الإنسانية التي بقيت قراطيس كراريس و نسخ محاضرات مكومة في علب كرتونية راقدة في أعلى الدكة الاسمنتية لبيته بعد نهاية مشواره الجامعي.
نظر إليها ذات مرة مليا وقال لنفسه : "لم تعد هذه الصفحات تصلح لشيء إلا لتغليف الخبز،والزريعة والبقولة والنعناع،اريد شغلا ، اريد شغلا" ، لكن الأرض ضاقت به بما رحبت ، واشرأبت نفسه الى قتل فراغ يقتله ألاف المرات بمقهى الحي ، فهام في ملحمات دوريات كرة القدم ، وحل الكلمات المسهمة ، وتعود على ديدن الاحباط حتى خال أن حق الشغل اسطورة من أساطير مدن الذهب الضائعة و كنز من كنوز سليمان المفقودة ، وأن ادراك نجما من نجوم السماء أهون من مهمة بلوغ وظيفة ما ، ولو كانت بفتات أجر يعض على راتبه بالنواجد ، ويتشبت بها تشبت الغريق بطوق نجاة وسط خضم بحر لجي متلاطم .
ارسل عشرات الطلبات الى مختلف المصالح والجهات وادلى بجميع الوثائق وأخبر الكل في ارسالياته عن هويته التي يذيلها بعبارته الرنانة "مكفول الامة (ابن شهيد حرب الصحراء المغربية)حاصل على الإجازة في علم الإجتماع وسيرتي لاتعتريها أية شائبة من الشوائب وليس لدي سوابق" ،كرر ذلك باسهاب من دون ملل او كلل مطاردا سراب الأمل الذي لم يتلق في أثره اي جواب ، وتاه هدهده وضاع خبره اليقين ، وبقي من المترقبين الآفليين الصابرين، حتى شعر بأنه كمن يتلقف اشعار أجداث القبور باخبار الصراط والجنة أو النار ، أو كمن يسعى وراء أنباء كائنات فضائية قادمة من مجرة أخرى .
جاء ساعي البريد إليه ، ولكن لم يأته بأي جديد ، بعد أن ناوله اظرفته التي ردت إليه مع فواتير الماء والكهرباء ، و بيانات الاقتطاعات البنكية من معاش أبيه المتوفي في الصحراء المغربية وضريبة وبلاغ الأمر بالافراغ.
لم يعد يذكر مجاز او ابن الشهيد بصوت نشاز كما كان أول مرة واكتفى بصوت هامس ملؤه الشفقة والحسرة ، شارك في وقفات احتجاجية مع اسر الشهداء ومفقودي واسرى الصحراء المغربية من أمثاله ، وصدح بالشعارات والهتافات المنددة بواقع حاله في مسيرات سلمية ، فهوت عليه هروات قوات التدخل السريع حتى كسرت عظامه مرتين.
استظهر الجمعية الوطنية وطابور انتظارها الطويل ، وامتهن بيع الجوارب مدة أسبوعين وفي الأسبوع الثالث تمت مصادرة سلعته بمبرر تحرير الملك العام .
كانت أمه بعيد كل صلاة تغرقه بالدعاء ، لاسيما أثناء قنوتها في صلاة الفجر ،كما صامت من أجله أياما نذرا ، وذات يوم قالت له بفرح: إن الله استجاب لدعائي بعد أن ارسلت له وكالة إنعاش الشغل استدعاء ليشتغل كحارس ليلي بأجر زهيد أمام أبواب أحد المؤسسات ، قبل ذلك على مضض، ووقع التزام عدم الاحتجاج والابتعاد عن النقابات ، والعمل مدة اثني عشر ساعة في اليوم وعدم المطالبة بالترسيم مع خصم كل تأخر او غياب إضافة الى شراء بدلة وبطاريات المصباح الكاشف وكلب الحراسة من نفقات جيبه وغير ذلك من الشروط التعسفية التي قبل بها من أجل سواد عيون فرحة والدته لاغير. توفيت أمه وهو في سن الأربعين ، فادرك أنه انعزل في عبودية خادعة لعمره باسم الشغل ،انصرفت عنه بعد أن وهن عظمه واشتعل رأسه شيبا ، تاركة له بقشيش تقاعد لايغني ولايسمن من جوع ، وكان كلما اشتكى حاله لأحد يقول له بكل تأسي" الحظ لم يسعفني ، فأنا ابن الشهيد عندي إجازة في المنطق"..
بقلم
ابن شهيد حرب الصحراء
المغربية