بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي. الحلقة 17 من سلسلة في زمن الجوع والحرب (أسر شهداء حرب الصحراء المغربية )
تأخرت الحافلة في الإنطلاق حتى يستجمع "الكريسون" وأعوانه أكبر عدد من الركاب، لبثنا أزيد من ساعتين في المحطة ثم قرر السائق أخيرا الإنطلاق بنا، استغرق سفرنا ست ساعات متواصلة لم نقف فيها سوى نصف ساعة لتناول العشاء، توجهنا أنا وياسين نحو بائع السردين المشوي ثم عدنا للحافلة بعد أن امتلأت بطوننا بالسردين والخبز وشرائح البصل.
بقيت امرأة و شاب في "الكار" لم أرهم ينزلا لتناول العشاء، ربما لأنهم يفضلون الصبر على الجوع حتى الوصول إلى جهتهم حفاظا على ما في حوزتهم من مال، أو ربما لأنهم لا يملكون نقودا من الأساس.
- خويا ياسين شبانليك نجيب خبزة بالفرماج لديك لمرة ونتا خود وحدة لداك دري لناعس لور مسكين
- جلس بلاصتك يكما دوك جوج دراهم لعندك تما مسخنين ليك جيب
- مبقاوش فيك ؟
- الغالب الله، العطاء مكيكملش، إلا جيتي تعطي لأي واحد بقا فيك غايجي نهار غيبقا فيك راسك ومكاين لغيعقل عليك
كنت سأرد على ياسين حينما نظر لي رجل بلحية بيضاء يجلس أمامي قائلا " الله يحفظكم هدرو بشوي صدعتوني"، كان رجلا كبيرا في السن فاحترمته و فضلت أن لا أجيب، لأن هذا المنظر يتكرر كثيرا في حافلات النقل الشعبية، و ينتهي غالبا بتشابك الأيدي وأنا لم أكن مستعدا لخوض صراع ما مع رجل مسن.
سندت رأسي على النافدة ثم أغمضت عيناي، ولم أفق إلا على صوت "الكريسون" وهو يقول " ناس اكادير على سلامتكم".
وجدنا في المحطة رجلا قد أوصاه أب ياسين بانتظارنا، ليوصلنا للضيعة مقابل مبلغ مادي أدفع أنا نصفه بينما يدفع ياسين الباقي، نظر الرجل لأحزمتنا ثم قال بلهجة خشنة " صافي هدشي لعندكوم، يلاه طلعوا".
ها هي أكادير إذن! الشمس ساطعة والطقس معتدل، كنت أتمعن الطريق والمنشآت وأنصت لهذا الرجل الذي يحدثنا عن أكادير وأهم معالمها و أماكنها كأننا في زيارة سياحية لها، أو ربما من باب الترحيب فقط، ثم حدثنا بعدها عن الضيعة التي سنعمل بها وكل ما استنتجه أنها بضواحي أكادير و أن ظروف العمل بها صعبة ككل الضيعات الفلاحية حسب قوله.
توقف بنا الرجل أمام باب كبير فأدركنا أننا وصلنا، رحب بنا "العساس" الذي وجدناه يفتتح صباحه بكأس من الشاي وكسرة خبز، شاركناه الجلسة وأخبرناه بأن سي حمد (صديق أب ياسين) تكلم مع صاحب الضيعة لنعمل عنده، فقام ليدلنا على مكان سكننا وهو عبارة عن بناية طويلة بابها أزرق، تدخل من الباب فتجد على يمينك ثماني غرف ويقابلها على الجهة اليسرى ثماني غرف أيضا، وقف بنا أمام آخر غرفة في الصف الأيسر وقال انتظروني هنا سأخبر صاحب الضيعة وأعود لكم بالمفتاح حالا.
حلقة كل خميس
من توقيع ليلى اشملال