بما ان المؤسسات العسكرية تنكرت لمستقبلنا سنتحدث عن الماضي. الحلقة 21 من سلسلة في زمن الحرب و الجوع ( أسر شهداء حرب الصحراء المغربية
انتهى شهرنا الأول من العمل، كنت أحس بتعب شديد ولم أعد أتحمل الوقوف الطويل، غادرنا البيوت البلاستيكية على الرابعة عصرا كالعادة، و فور وصولنا لغرفتنا قمنا بالاغتسال وغرقنا في نوم جميل ولم نستيقظ إلا على صوت آذان العشاء.
بعد انتهاء ساعات العمل الشاقة يركض بنا الوقت بسرعة، بالكاد نستطيع أن نستريح قليلا ونحضر وجبة العشاء ثم ننام كي نستيقظ على أشعة صباح يوم جديد تتحرك ساعته الأولى ببطء سلحفاة أرهقتها الأيام.
لم أرتح كثيرا لهذا الوضع، لكن ماذا سيقولون إن أنا عدت بعد شهر واحد فقط من العمل؟؟، سيتهامسون خلفي سيقولون أنني لست رجلا ولا أستطيع تحمل الصعاب كغيري من الشباب الذين يفنون صحتهم هنا وهناك مقابل دراهم قليلة تغنيهم عن التسول، لم تكن أقوالهم هي همي الأول، كانت أسرتي الصغيرة هي كل ما يشغل بالي و ما يدفعني للصبر وتحمل المشاق حتى أتمكن من الإستمرار والتكفل بتوفير ما تتطلبه الحياة من مستلزمات.
حضرت طبقا من "الأرز مع الفلفل"، كوجبة للعشاء، تناولنا الطعام معا أنا و ياسين، تحدثنا بعدها قليلا ثم ذهب كل منا لينام، أغلقت باب الغرفة علينا بالمفتاح تحسبا لأي خطر قد يلحق بنا أثناء نومنا، لقد اعتدت هذا، في الحقيقة أنا لا أرى وجوها بشرية خبيثة بين الشباب والرجال الذين يشاركوننا السكن، إلا أن الإحتياط واجب في كل الأحوال.
كنت لا أزال بحاجة للنوم، حينما أحسست بيد صديقي ياسين تزيل الغطاء من على جسمي الذي أدفئه اللحاف في هذا البرد القارس:
- فيق أ صاحبي
- باقي بغيت نعس، خليني واحد شوية
- و نوض يلاه تفطر وتبدل، بلا منسمعو الهدرة هاد صباح
- واخا هاني فايق
قاومت النوم بصعوبة، الماء المثلج الذي ينزلق من الصنبور يساعدني في الانتعاش قليلا، أتناول فطوري البسيط الذي يتكرر كل صباح ثم أرحب بالشقاء من جديد.
اليوم كلفنا بإزالة الأوراق الخضراء من تحت النبات، من أجل تعزيز الإضاءة و التهوية، وتقليل خطر ظهور بعض الأمراض الفطرية، عملية بسيطة لكن جد متعبة يسمونها ذوي الاختصاص ب "effeuillage"، كنا نعمل بجهد وكان الكابران علي يضغط علينا بدون رحمة، ولأن العملية تستلزم أن يتحرك العامل و هو جالس، اضطررت إلى الجلوس على التراب فتلطخ سروالي بالأوساخ ومن شدة التعب أصبحت أتمشى على ركبتاي و أقوم بإزالة الأوراق، لم يبدي الكابران أي اعتراض من طريقتي فهم لا يهتمون بطريقتك، المهم لديهم أن تتم عملك بشكل جيد و أن لا تتوقف أبدا وإلا ستنهال عليك الشتائم من كل جهة وهذا ما لا أرضاه لنفسي أبدا.
حلقة كل خميس
من توقيع ليلى اشملال