الأستاذ جمال العسري عضو المكتب السياسي لحزب الاشتراكي الموحد وفاعل جمعوي يتحدث عن حكاية الجدار الرملي العازل .... ما بين منطقة ....
عدنا ... و خربشتنا اليوم عن حكايات الجدار الرملي العازل ...
مابين المنطقة المنزوعة السلاح ... و المناطق المحررة ؟؟؟
الجدار العازل ... بين منطق الحسن الثاني ... و حسابات مجلس الأمن ...
الجدار العازل ... الحرب ليست لعبة ... و اسألوا الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مفقودي و أسرى الصحراء المغربية ...
بدأ التفكير في بناء الجدار الرملي العازل ... في أواخر سبعينيات القرن الماضي ... بعد اشتداد هجمات قوات الپوليساريو التي تبنت حرب العصابات ... كانت هجماتها الليلية مؤلمة و موجعة... بل شديدة الإيلام ... كانت هجماتهم الليلية المباغثة تخلف خسائر فادحة في صفوف المغاربة ... و أصبحت هذه الهجمات تؤرق بال كافة المغاربة ... خاصة بعد أن بدأت قوات الپوليساريو تستغل ظلام ليل الصحراء ... لمهاجمة المدن الصحراوية ... و المراكز الحضرية ... حيث وصلت هجماتهم لمدينة طانطان ... بل و لمدينة طاطا ... فكان يطلع فجر الصباح على أخبار سقوط شهداء و جرحى و مختطفين ... الحرب مؤلمة ... مؤلمة جدا ... و اسألوا الجمعية الوطنية لأسر شهداء و مفقودي و أسرى الصحراء المغربية عن هذا الأمر ... فالجمعية تتحدث في رسالة لها وجهتها لرئيس الحكومة " العثماني " سنة 2017 عن 30 ألف شهيد ... نعم ثلاثون ألف شهيد ... و 2400 أسير ... و 700 مفقود ... دون الحديث عن الآلاف من الجرحى و معطوبي الحرب ... الحرب التي استمرت من 1975 إلى 1991 تاريخ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب و جبهة البوليساريو ... أو على الأدق إلى سنة 1989 السنة التي عرفت آخر هجوم قامت به الجبهة و الذي قاده وزير دفاعها ... قبل الاتفاق ...
إذن و أمام حجم هذه الخسائر ... و أمام خطورة الهجمات ... و أمام وقوع المدن و المراكز الحضرية بالصحراء ... تحت خطر الهجمات الليلية لقوات الجبهة التي اختارت أسلوب حرب العصابات ... الحرب التي تهزم أقوى الجيوش النظامية .... بدأ التفكير في البحث عن وسيلة لوقف هذه الهجمات ... أو على الأقل الحد منها ... و انطلق التفكير من محاولة استنساخ تجارب لقوات عسكرية في مختلف مناطق العالم ... و تم استحضار خط برليف ... و خط ماجينو ... و جدار برلين ... و حتى سور الصين العظيم ... و انطلق الحسن الثاني الملك الراحل في إجراء استشارات موسعة مع قيادات الجيش المغربي ... و مع أصدقائه الفرنسيين و الأمريكيين ... بل و حتى مع بعض أعضاء جيش المقاومة و التحرير و على رأسهم المقاوم " البشير الفچيچي " و التي تقول بعض الروايات أنه صاحب الفكرة ... فكرة بناء الجدار الرملي العازل ... فما هو هذا الجدار ؟؟؟
هو عبارة عن جدار رملي ... يبلغ طوله أزيد من 2700 كلم ... يمتد من منطقة آسا الزاگ إلى الحدود الموريطانية ... عرضه يتراوح ما بين 50 و100 متر ... و علوه ما بين 6 و 12 مترا ... و على طول مسافته ( 2700 كلم ) تتواجد قواعد عسكرية للمراقبة ... و لصد أي هجومات مفاجئة ... قواعد مجهزة بأسلحة ثقيلة و خفيفة ... و رادارات للمراقبة .. و أجهزة متطورة للتنصت و الاتصال ...
تم الشروع في بناء هذا الجدار الرملي العازل سنة 1980 و استمرت أشغال بنائه سبع سنوات ... حيث تم الانتهاء من بنائه سنة 1987 ....
لقد كان الهدف من بناء هذا الجدار هدفين ... هدف صريح و واضح كل الوضوح هو إيقاف الهجمات المؤلمة التي تشنها الپوليساريو ... و وضع نهاية لحرب العصابات الليلية ... و كان هناك هدف آخر ... هدف ضمني و غير معلن عنه ... هو الضغط على جبهة الپوليساريو من أجل وضع السلاح ... و القبول بمبدأ التفاوض ... و هو ما تحقق بعد حوالي أربع سنوات من الانتهاء من بنائه بعد أن استنفذت قوات الپوليساريو كل محاولاتها من أجل تدمير الجدار ....
هذه هي حكاية الجدار الرملي العازل ... فما هي حكاية المنطقة المنزوعة السلاح ؟؟؟
عند الشروع في بناء الجدار الرملي العازل ... كان المغرب أمام مقترحين ... رأيين ... رأي يقول بضرورة بناء هذا الجدار مباشرة على الحدود مع الجزائر ... و رأي يقول ببنائه داخل الحدود المغربية ... و لكل رأي حججه ... و غاياته ... و أهدافه ...
فالرأي القائل ببناء الجدار مباشرة على الحدود مع الجزائر ... كان يهدف إلى محاصرة قوات الپوليساريو داخل مساحة ضيقة... لا تتعدى منطقة تيندوف ... مساحة لا يستطيع معها التحرك ... مع تحميل الجزائر تبعات أي هجوم ينطلق من أراضيها... مما يعطي للمغرب حق الرد ... و بالتالي جعلها طرفا مباشرا في الصراع ... و لو أدى الأمر إلى الدخول في حرب ثانية معها ... بعد حرب الرمال ...
الرأي القائل ببنائه داخل الحدود المغربية ... كان يهدف إلى تجنب أي احتكاك ... أو استفزاز للجزائر ... و تجنب أي حرب معها ... و في المقابل يعطي للجيش المغربي القدرة على مراقبة أراضيه ... تلك الأراضي المشكلة من صحراء خالية ... فالهدف الأساسي من بناء الجدار هو حماية المدن الصحراوية ... و المراكز الحضرية ... و هذا ما سيحققه الجدار ... كما أن بناءه داخل الحدود سيسمح للقوات المغربية بمتابعة المهاجمين داخل الأراضي المغربية ... و قصفهم داخلها ... و نصب الرادارات داخلها ... و أجهزة التنصت داخلها ... و بالتالي سحب أي مبرر قد تتحجج به الجزائر للدخول في حرب مع المغرب ....
و أمام هذين الرأيين اختار المغرب ... الرأي الثاني ... و تم بناء الجدار الرملي العازل داخل الحدود المغربية ... بمسافة تصل ل 6 كيلومترات عن الحدود المغربية ... و هنا ظهرت مشكلة ... مشكلة حقيقية ... خطأ استفادت منه جبهة الپوليساريو ... فما هو هذا الخطأ ؟؟؟
بناء الجدار الرملي العازل بعيدا عن الحدود الدولية ... جعل مجموعة من المراكز تقع ما وراء الجدار ... و من هذه المراكز نذكر على سبيل المقال لا الحصر ... منطقة " امهيريس" و منطقة " اغوينيت " و منطقة " أمغالة " و منطقة " مجيك " و منطقة " بئر لحلو " و منطقة " تيفارتي " ... هي مناطق يعتبرها المغرب مناطقه .... و تدخل ضمن أراضيه و حدوده ... بينما استغلت الپوليساريو وقوعها خارج الجدار العازل الرملي لتعتبرها مناطق محررة ... بل لتتحدث عن مدن محررة ... و هكذا اعتبرت ولازالت تعتبر مثلا منطقة "تيفارتي" منطقة محررة... و على هذا الأساس ما فتئت تقيم بها مؤتمراتها ... و استعراضاتها العسكرية ... بل و تستقبل بداخلها ضيوفها و حلفائها الخارجيين ... كما تعتبر منطقة بئر لحلو عاصمة مؤقتة لجمهوريتها ...و منها تصدر بياناتها ... و مراسيمها الرئاسية ... و قد قامت جبهة البوليساريو ببناء مجموعة من المنشآت العسكرية و الإدارية بهما ..و كل هذه الخطوات و الأجراءات و العمليات من جانب الپوليساريو اعتبرتها و تعتبرها الأمم المتحدة خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار و هو ما سنوضحه أكثر في خربشات قادمة...
فهل كان بناء الجدار العازل داخل الحدود المغربية قرارا خاطئا ؟؟ هل كان ترك مساحة شاسعة ... تصل مساحتها لحوالي 60 ألف كلم مربع ... أي أزيد من 20% من المساحة الإجمالية للصحراء تضاعف أضعافا مضاعفة لدول قائمة حاليا مثل : 4 مرات مساحة قطر / 5 مرات مساحة لبنان / 3 مرات مساحة الكويت / ... حوالي 2 مرتين مساحة بلجيكا ... بل أكثر من مساحة 90 دولة معترف بها رسميا ... فهل كان هذا القرار خطأ استراتيجيا ؟؟؟
و هنا يمكن أن نشير إلى حديث سبق أن صدر من الجزائر مفاده أن جبهة الپوليساريو سبق لها أن رفضت مقترحا قدم لها رسميا ... بتأسيس جمهوريتها على أراضي هذه المنطقة ... مع إعطائها منفذا ... أو على الأصح واجهة بحرية على المحيط الأطلسي ... واجهة بحرية يصل طولها لحوالي 60 كلم ... أي أكثر من ساحل الأردن ... و هو المنفذ الذي توفره منطقة الگرگرات ... المنطقة التي قرر المغرب أخيرا إخراجها من هذه المنطقة المنزوعة السلاح ... و شرع قبل بضعة أيام ببناء جدار عازل حولها ... حماية لها ... و لقوافل الشاحنات التجارية من أي هجمات محتملة من قوات جبهة الپوليساريو ....
و الآن و بعد أن عرفنا حكاية الجدار الرملي العازل ... و حكاية المنطقة المنزوعة السلاح ... نطرح السؤالين التاليين :
⁃ ما موقف الأمم المتحدة من هذه المناطق ؟؟؟
⁃ ما موقع المنطقة المنزوعة السلاح من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين المغرب و جبهة الپوليساريو سنة 1991 ؟
هذا ما سأحاول الجواب عنه في خربشة الغد إن شاء الله
.... مع خالص مودتي و محبتي للجميع ...
جمال العسري
فاعل حقوقي، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد